تهجير الأدمغة…التعلم في لبنان حقٌّ مهدّدٌ بالإنقراض!
بقلم: مديرة التحرير الإعلامية ساره منصور
العلم سلاح يحمي من الجهل والذل والحاجة للزعيم…
في دولة لا شبيه لها في أصول النظام والسياسات ،وفي دولة لا تعرف القوانين والتشاريع الا في ما يخدم مصالح زعمائها ،وفي غابة مزخرفة بإسم لبنان تطل علينا أزمة جديدة تنسف جبهة الأزمات السابقة والضحية هم طلاب لبنان .
ففي بلد بلا أفق وفي ظل انعدام حافز البقاء ووسط انهيار غير مسبوق وفي ظل حجز أموال المودعين عامة وأهالي الطلاب خاصة وتوقف الأنشطة التربويةالا من جيوب الأهالي وحتى المحاضرات تقدم لمامًا ،والإضراب يتلوه الإضراب والادارات مغلقة والمناهج تقليدية وبالية ،وبين تبعات نكبة بلد الذي باتت فيه حقوق الإنسان البدائية و الأولوية من الكماليات ، وفي ظل وجود جامعة حكومية واحدة مأزومة حد الإفلاس ،يستمر تهجير الأدمغة من وطن الأرز لأجل مصالح داخلية وخارجية وسياسية واقتصادية لتفقير البلد وتسييره نحو المجهول أكثر فأكثر.
يعيش خريجو مرحلة التعليم الثانوي اليوم حالة من الضياع والخوف على مصير دراستهم الجامعية ومستقبلهم الأكاديمي والمهني ، فبين مطرقة دولرة الأقساط والغلاء الفاحش الذي وصل إلى الجامعات يواجه معظم الشباب اللبناني صعوبات في استمراريته التعليمية ضمن المؤسسات الجامعيةالخاصة ،وما بين سندان تلك الجامعات ومطرقة الأقساط الباهظة التي تطال جيوب أهاليهم المفقرة أساسا كان الشباب اللبناني بين نارين : الأولى تتمثل بالنزوح الى كنف الجامعة اللبنانية لكن المشكلة في هذا الإطار تكمن في محدودية المقاعد وعدم قدرتها على استقبال جميع الوافدين اليها بالاضافة الى الصعوبات التي يواجهونها الطلاب في اختبارات القبول والتي تعتبر ذات سقف عالٍ، واذا كان الطالب سعيد الحظ ونجا من كل ما ذكر عليه ان يعلم جيدا ، صحيح انه اجتاز مراحل صعبة ولكن ما سيواجهه أصعب فالجامعة اللبنانية تعاني من الاضطرابات والاعتصامات والاضرابات وانقطاع التيار الكهربائي وغيرها من الازمات التي تواجهها جميع الدوائر الحكومية في لبنان.
أما بالنسبة لمطرقة الجامعات الخاصة فهنا حدّث ولا حرج ،فلكل زعيم صرح تعليمي وبحسب الواسطة واذا كنت تريد تكملة تعليمك يجب عليك أن تقترض من احدى المصارف ولحظ هذا الجيل السيئ ومع الأسف فإن البنوك محتجزة أموال المودعين وباللبناني “مصفّاية ولا نكلة” وعن الاقساط الجامعية الخاصة لهذا العام عليك ان تفهم جيدا أنها فقط لمن استطاع اليها سبيلا حيث بلغت وسطية الأقساط 30 ألف دولار خلال السنوات الدراسية الثلاث ،أو ما بين ال 15 و 18 ألف دولار للسنة الواحدة، وفي احدى الجامعات الكبرى قد يصل مجموع أقساط هذا العالم ما بالى ال 50,0000$ وأكثر في بعض الجامعات ناهيك عن عدم توفر الاختصاصات التي يريدونها في جامعات طرابلس خاصة و الشمال والبقاع والجنوب والجبل عامة ، مما يضطر طلاب تلك المناطق للنزوح الى العاصمة بيروت للتعليم في الجامعة اللبنانية وكونهم عاجزين عن تحمّل أقساط الجامعات الخاصة.
إنه مصير اعتادت عليه الأجيال منذ عشرات السنين من اجل مصلحة سياسيي المناطق ، حيث يستأجر الطلاب غرفة أو سريراً في غرفة مشتركة قرب الكلية، ليرتادوا صفوفهم، ثم يعودون أسراباً في نهاية الأسبوع إلى مناطقهم ، ويعودون إلى العاصمة مساء الأحد.
أو يضطرون إلى المجيء يومياً من بيوتهم باتجاه كلياتهم البعيدة ويعودون مساء منهكين.
ويبلغ عدد المؤسسات الخاصة للتعليم العالي في لبنان قرابة ٤٧ مؤسسة موزعة بين معاهد وجامعات في عدة فروع على كافة أراضيها، في حين يوجد مؤسسة رسمية واحدة للتعليم العالي المجاني وهي الجامعة اللبنانية والتي يصل عدد فروعها إلى خمسة فروع فقط موزعة بين بيروت وصيدا وطرابلس وزحلة، ما يشكل تحدياً آخر يحول من دون وصول الطلاب إلى كلياتهم واضطرارهم إلى التسجيل في الجامعات الخاصة القريبة من محيطهم، ناهيك عن عدم توافر الاختصاصات كافة في الفرع الواحد التابع للجامعة اللبنانية، هذا في السابق، فكيف اليوم أمام الانهيار الاقتصادي وارتفاع سعر المحروقات وبالتالي ارتفاع تكلفة المواصلات المتزايدة وغير الثابتة والتي تشكل عبئاً وتحدياً آخرين على الطلاب والأهالي والأساتذة أيضاً.
و في ظل كل هذه المعطيات والفقر الذي يعانيه الشعب والطلاب في لبنان من مواطنين/ات ، وفي الوقت الذي يعد التعليم حقاً من حقوق الإنسان الأساسية ومندرجاً ضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وسعي غالبية الدول إلى تطويره وتأمينه بشكل مجاني يبقى لبنان عالقاً في دوامة العجز عن تأمينه في ظل الأزمة الاقتصادية التي تفتك به.
فما هو مستقبل التعليم الجامعي في لبنان؟
وفي في هذه المعادلة، سنكون أمام مجتمع مهدد وأجيال قد تُحرم من التعليم، مع تعثر قدرة الأهل على تسجيل او إرسال أولادهم الى الجامعة، فهل تتصورون أي بلد نبني مع أجيال لا تتعلم ؟!